شبكة قدس الإخبارية

 من يُحاسب رئيس السلطة الفلسطينية؟

عباس
خالد بركات

في ظل الغياب الشامل لأية هيئات وطنيّة فلسطينيّة رقابيّة مستقلة تملك صلاحيات المحاسبة والمسائلة للجهاز التنفيذي وتستمد شرّعيتها من إرادة الشعب الفلسطيني، فلا يجب أن يتوقع أحد مواجهة الفساد والقضاء على مصادره في ساحتنا الفلسطينية العاثرة.

 فمن هي تلك الجهة الفلسطينية الموثوقة التي يمكنها اليوم محاسبة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وتقييم أدائه ودوره؟ من يطلب منه تقديم تقارير دورية سيّاسية وماليّة وأمنيّة وغيرها، تقارير تشمل أملاكه الشخصيّة وأموال عائلته وأبنائه؟

 إن الهدف من مواجهة ومحاربة الفساد، والذي ببدأ من فساد " الرئاسة " هو جزء لا يتجزأ من مشروع التحرير والنضال ضد الكيان الصهيوني أولا.

 فلا تستطيع التخلص من الاحتلال وانجاز المشروع التحرري في ظل ادوات ومؤسسات معطوبة وفاسدة، يحميها رأس السلطة، كما يحدث كل يوم.

 والأمثلة كثيرة لا حصر لها. آخرها ما يسمى تثبيت التطبيع كسياسة يومية مشروعة وصرف موازانات مالية لما يسمى لجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلي.

وإن عدم مسائلة ومحاسبة رأس السلطة السياسية الفلسطينية، يعني حُكمُا، عدم محاسبة أية جهة أو شخصية أخرى تابعة له، إلا من باب تصفية الحسابات كما حصل أكثر من مرّة مع شركاء لهم.

 هذا الواقع الفلسطيني الذي يتسم بالتسيب والانحلال الاخلاقي والقيمي وانعدام المحاسبة وغياب الشفافية وغياب الهيئات الرقابية الشعبية يعّمق من حالة الفساد الرسمي التي تضرب أطنابها في مؤسساتنا الفلسطينية والتي هي في الجوهر جريمة وطنية وسياسية متواصلة ويومية، كما يعّمق من حالة انعدام الثقة الشعبية في المؤسسات الرّسمية الفلسطينية، ونعني على نحو خاص: منظمة التحرير وأجهزة السلطة.

ويرى شعبنا الفلسطيني هذا الواقع المؤلم ويسأل نفسه " مين فَرعنك يا فرعون؟ " هذا السؤال الشعبي العميق والجارح لا يسأله الناس لأنهم لا يعرفون الجواب عليه، بل شعبنا هو الذي يعرف الجواب تمامًا، يدرك في أعماقه وبوعي فطري وبالتجربة العملية أنه دون المحاسبة والرّقابة الصحيحة، في العلن، سوف يتحول المسؤول الفلسطيني إلى فرعون صغير.

 ويدرك شعبنا أكثر منا أن السمكة تفسد من رأسها أولا، وأن من كانوا يوما عملاء للاحتلال صار بعضهم اليوم يتحدث باسم الشعب ويسمى في الاعلام الرسمي بـ "المسؤول الوطني الرفيع"، فالسلطة المُطلقة، كما يقال، هي مَفسدة مُطلقة.

 بل أن الافساد يصبح هدفها حتى تعم حالة الخراب وبيع وشراء الضمائر والذمم.

ولا تستطيع اليوم (المعارضة الفلسطينية) أو حركة حماس مثلا التي تسيطر على السلطة في قطاع غزة، أو حتى قوى المقاومة والأحزاب الفلسطينية الأخرى، لا تستطيع أن ترفع لواء المحاسبة والشفافية لانها صارت جزء من حالة الفساد العامة ومن دائرة الخراب نفسه.

فحالة العطب التي أصابت كافة المؤسسات الفلسطينية لم تترك جهة واحدة من شرّها. (مع التذكير أن تقديم تقارير للشعب الفلسطيني لمن يرغب في الشفافية ويحترم الشعب لا تحتاج إلى الانتظار وانجاز " المصالحة") فمن يريد أن يقدم نموذجًا مختلفًا عن أداء وفساد سلطة رام الله عليه أن يقوم ويبادر بتقديم البديل الوطني الديموقراطي الثوري، وهذا يشترط عدم تقليد سلطة الفساد في رام الله المحتلة.  

وقد رأينا أن عقد دورات المجالس الوطنية الفلسطينية المزورة في السنوات الأخيرة، ومثلها دورات المجلس المركزي وغيرها من دوائر فلسطينية على مقاس نهج السلطة، لم تتناول تقريرًا واحدًا حول أداء قيادة م ت ف ولا عن حالة الفساد في السلطة.

فلا توجد هيئة واحدة يمكنها اليوم القيام بهذه المهمة، وان وجدت فانها شكلية وبلا اسنان وبلا صلاحيات حقيقية. وعليه لن تستطيع أن تقول لأي شخصية فلسطينية نافذة تحوم حولها شبهات الفساد: من أين لك هذا؟

إن الاعلام الفلسطيني الوطني والمستقل أصبح مطاردًا من قبل السلطة والأجهزة الأمنية بل ويتعرض الكتاب والصحافيين الفلسطينين إلى المحاكمة والمسائلة من قبل أجهزة فاسدة وتصدر قوانين تحت أسماء واهية من طراز "الجرائم الالكترونية "، وجرى الاعتداء على شخصيات وطنية محترمة لأنها حاولت أن تطرح أسئلة حارقة لا تنتظر هذا الواقع الفلسطيني يقف مقلوبًا على رأسه. إذ يُنصب الحرامي نفسه قاضيا يحاكم الشرفاء، هكذا ودونما خجل.

ولن تعثُر في الإعلام الفلسطيني الرّسمي مهما حاولت واجتهدت على أيّ موقف أو أراء مخالفة لسياسات “الرّئيس” الفلسطيني محمود عباس، فكل شاشات وفضائيات وصحف واذاعات “فلسطين الرسمية” دون إستثناء مفتوحة 24 ساعة لأبواق السلطة من "السحيجة" لا مكان للآخرين فيها خاصة من يخالفون سياساة رئيس السلطة وفريقه.

رغم أنها من المفترض، نظريًا وقانونيًا، مؤسسات وطنية عامة و "ملكية للقطاع الفلسطيني العام" وليست مزرعة أو ملكية خاصة تابعة لرئيس السلطة وجوقته من المرتزقة والعرّافات ومن صدقوا أنفسهم أنهم "إعلاميين" و "إعلاميات"

إن الفساد في المؤسسة الاعلامية الفلسطينية الرّسمية يعكس الواقع السياسي الفاسد أولا ولا يحتاج إلى أدلة وبراهين أكثر على خرابه، فما عليك إلا أن تجلس وتتفرج على القوم الفاسد داخل صندوق العجائب وتلفزيون السلطة وكيف يرفعون رئيسهم إلى مقام الملائكة والأنبياء.

إن الجهة الوطنية الوحيدة الموثوقة والشرعية التي يمكنها اليوم محاسبة رئيس السلطة وتحاكم مؤسسة الفساد الفلسطينية هي (الشارع) بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى.

 أي الميادين والشوراع في عموم فلسطين وساحات الشتات، حين تخرج الجماهير الشعبية الفلسطينية وتصرخ بصوت واضح وموحد لا لعثمة فيه ولا خوف: كفى فساداً.. لقد جاء وقت الحساب الشامل